محمد هاشم الصالحي التأريخ شتاء عام 2014 المكان مدينة كركوك. الأوضاع العامة للبلاد حرجة بسبب الأعمال الإرهابية التي تشل الحياة. كنت في وضع مالي ليس بجيد وأنا أبحث عن عمل ما من شأنه اسنادي لأتحمل مصاريف العائلة والأطفال بعد أن ضاقت بي السبل. أخبرني صديق بأن إحدى الشركات بحاجة إلى مترجم يجيد اللغة التركية الأمر الذي يناسبني تماماً. سارعت إلى العنوان الذي وصفه لي وقدمت أوراقي. كان هناك شخص واحد فقط قد تقدم إلى هذا العمل، ولحسن حظي أن هذا الشخص ذو قابلية ضئيلة ولا يجيد من التركية إلاّ شيئاً بسيطاً جداً ولا يمكن لمعلوماته هذه أن تسعفه أبداً لإقناع لجنة الاختبار. هذا المسكين لا يمكنه التنافس معي على الإطلاق، فأنا الذي أعمل في هذا المجال منذ أكثر من خمس وعشرون عاماً ولي العديد من المؤلفات المطبوعة والتراجم المنشورة في المجلات والصحف المعروفة. أنا خبير قضائي مترجم في محكمة استئناف كركوك وأحمل هوية خبير، وهذا المسكين جاء ليجرب حظه. أنا أشفق عليه للغاية لا سيما وقد سألته بعض الشيء بعد أن تحدثت إليه بالتركية ولم يتمكن من النطق الصحيح للكلمات. رغم ضحالة معلوماته فمن حقه وهو شاب وفي مقتبل العمر أن يتقدم للعمل وأن يشق طريقه في الحياة. اللجنة المعدة للاختبار أعطت لنا ورقة فيها سطرين باللغة العربية وطلبوا منا ترجمتها إلى التركية. ولغرض التحقق من قابلية كل واحد منا وضعونا في غرف منفصلة وقمنا بالترجمة على حدا. ليس من المعقول أن تعصى عليّ هذين السطرين فأنا الذي الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم. أنا من له باع طويل في الترجمة التي أقوم بها بكل عشق وحب وتتشفع لي مؤلفاتي. لم تستغرق الترجمة عندي سوى بضع دقائق حتى قدمت الورقة إلى أعضاء اللجنة الذين أجلسوني عندهم. بعضهم تعرف عليّ وأثنى على مقالاتي باللغتين العربية والتركية. والآخر قال إنه شاهد مسرحياتي وقرأ العديد من مؤلفاتي. استغرقت الصحبة في هذه الغرفة قرابة الساعة حتى دخل علينا المسكين الذي انتهى من ترجمة السطرين للتو. قال له أحد أعضاء لجنة الاختبار: أين كنت يا أخي لقد نسيناك تماماً؟!.- كنت أترجم ما طلبتم مني ذلك. ضحك الحاضرون وقد أشفقت عليه فعلاً. فهو شاب يبدو أنه طموح ويريد العمل رغم أنه لا يملك الخبرة والمعلومات الكافية لترجمة حتى جملتين باللغة العربية. على أية حال هذا شأنه فليس لي أن أترك العمل له فأنا أيضاً بحاجة ماسة إلى هذا العمل خصوصاً بعد أن كبر الأولاد وأصبحت لهم مصاريف جدية. اللجنة طلبت منا مراجعتها بعد يومين لغرض معرفة النتيجة. قالوا إذا كانت النتيجة إيجابية لأي منا فعليه الشروع بإكمال المعاملة لغرض البدء بالعمل. غادرنا المكان على أمل العودة بعد يومين. لم أكن قلقاً قط بخصوص النتيجة. لكنني كنت أدعو الله أن يسهل أمر هذا الشاب الذي جاء يبحث عن عمل. قد يكون مسؤولاً عن عائلة أو يتحمل مصاريف أمه وأبيه أو تجده ينفق على أقارب له. انصرفت الساعات وانقضى اليومان وجاء موعد المراجعة. ذهبت إلى هذه الدائرة وأنا أحمل بيدي كل مستمسكاتي وشهادتي الجامعية. |