مادهوميتا مورجيا وهانا كوشلر في بعد ظهر يوم قائظ من أيلول (سبتمبر) في قاعة مكتظة في كلية كينجستون في جنوب غرب لندن، حمزة أرشاد يشد انتباه حشد يزيد على 100 مراهق. من خلال ارتداء سترة مبطنة وقبعة صوفية، على الرغم من الجو الحار، يُخبر الطلاب أنه جاء ليتحدث عن التطرف والتعصّب - يمزح قائلاً «موضوع خفيف لبعد ظهر يوم خميس». نحو ربع الجمهور رفعوا أيديهم عندما سأل ما إذا كانوا مسلمين. الجميع يبدو مذهولاً من المُتحدّث، المعروف بتمثيله لدور مهاجر آسيوي تعيس في جنوب لندن على سلسلته على «اليوتيوب»، «يوميات رجل سيئ». أرشاد، البالغ من العمر 31 عاماً، بدأ مع قليل من الكوميديا السوداء، مشيرا إلى صورة لإرهابيين مدججين بالسلاح - بعد ذلك ذكر أسماء أبناء عمومته. ثم عرض وجه فتاة بنجلادشية تبلغ من العمر 15 عاماً في حجاب يملأ الشاشة، وهمهمة تتردد أصداؤها عبر الغرفة. بعضهم تعرّف عليها. إنها شاميما بيجم، طالبة مجتهدة من شرق لندن تركت منزلها في شباط (فبراير) العام الماضي متّجهة إلى سورية. شاميما واثنتان من صديقاتها، اللواتي يوصفن بـ «عرائس الجهاديين» من قِبل الصحف، انتهى بهم الأمر في الرقة، معقل «داعش». ولم يعُدن قط. يقول للحشد «لم يكُن لأحد أن يتصور أن شيئا مثل هذا سيحدث لهن. هذا جعلني أدرك أنه إن كان سيحدث مع عائلة مثل هذه، فإنه يُمكن أن يحدث لأي أحد. تخيّلوا لو أن هذه كانت أختكم أو صديقتها المفضلة وتختفي». أرشاد واحد من مجموعة متزايدة من نجوم وسائل الإعلام الرقمية الذين يستخدمون فيديوهات «اليوتيوب»، ومنشورات «فيسبوك»، والتغريدات، والصور، والكوميديا الارتجالية، لمواجهة سيل من الدعاية المتطرفة على «الإنترنت» - ولا سيما من الجماعات الإرهابية البارعة في وسائل الإعلام الاجتماعية، مثل «داعش». وقد شوهدت سلسلته على «اليوتيوب»، التي تتناول قضايا تواجه الشباب المسلم في لندن، أكثر من 73 مليون مرة. وعرضت الشرطة أحد الفيديوهات، «أنا مسلم، لست إرهابيا»، في أكثر من 100 مدرسة في جميع أنحاء المملكة المتحدة. يقول أرشاد «تم غسل دماغ كثير من الفتيات من قِبل هؤلاء الرجال على «الإنترنت، على «فيسبوك» و»تويتر»، لذلك كان عليَّ أن أفعل شيئا». تم احتضان مبتكري المحتوى الإسلامي، مثل أرشاد، من قِبل «جوجل» و»فيسبوك» وغيرهما من شركات التكنولوجيا التي واجهت هجمات من النقّاد على ما يعتبرونه فشلها في مراقبة وإزالة المحتوى الإرهابي بشكل فعّال. تقرير نشرته في آب (أغسطس) الماضي لجنة الشؤون الداخلية التابعة للبرلمان البريطاني يتهم مجموعات التكنولوجيا «بتقويض» التحقيقات المناهضة للإرهاب، من خلال رفض تسليم الأدلة المحتملة. هذا الاحتضان للخطاب المضاد يتجاوز وادي السيليكون: بعد رؤية نجاح محدود مع جهودها الدعائية الخاصة، تحولت وزارتا العدل والأمن الداخلي في الولايات المتحدة، والمفوضية الأوروبية، والحكومة البريطانية، إلى تجنيد صنّاع الأفلام الوثائقية وطلاب الجامعات لإنتاج محتوى مُقنع يُمكن مشاركته لمكافحة الرسالة الجهادية. كذلك أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية هذا العام «مركز المشاركة العالمي» لمواجهة الدعاية من «داعش».
أدوات التلقين يبدو أن آلة وسائل الإعلام الاجتماعية لـ «داعش» تقلصت منذ منتصف عام 2015، لكن وجودها على «تويتر» و»يوتيوب» ومواقع أخرى كان أداة الجماعة الإرهابية الأقوى للإقناع، خاصة في أوروبا والمملكة المتحدة. ولدى الجماعة قسم إعلامي يعمل 24 ساعة على مدار الأسبوع، مع خمس وحدات لإنتاج الفيديو. تقول ياسمين جرين، رئيسة الأبحاث والتطوير في جيجسو، وهي شركة فكرية تابعة لـ «جوجل» تُحلل التطرّف على «الإنترنت»: «يقول كثيرون لولا «الإنترنت» فلن تكون هناك داعش». ومع أن شركات وسائل الإعلام الاجتماعية حريصة على تعزيز جهودها في هذا المجال، إلا أن فعاليتها في منع الإرهاب غير مُثبتة. يقول البروفيسور بيتر نويمان، مؤسس ومدير «المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي» في لندن «سيكون من العدل القول إننا في مرحلة بدائية. من المذهل أن «فيسبوك» و»جوجل» تقومان برعاية مشروع أو اثنين، لكن هذا لا يعطيك ما يكفي من البيانات للتوصل إلى بيانات مقبولة حول ما إذا كان الخطاب المضاد ناجحا أم لا». وعلى وجه الخصوص، من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغيير سلوك المقتنعين بقوة. يضيف نويمان «إذا حزم شخص ما أمره، ثم حاولت بعد ذلك معارضة رأيه، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى رد فعل يعرف باسم «المفاعَلة» – بمعنى أنه في الواقع يؤدي إلى أن يصبح الشخص أكثر إصرارا على آرائه لأنك الآن تتحدى معتقداته». «بالتالي لا يتعلق الأمر بكون الخطاب المضاد جيدا أم سيئا، إنما لا بد أن يوجَّه إلى الشخص في مرحلة معينة من عملية اتخاذ القرار لديه. سيكون من السهل على هؤلاء الأشخاص العثور على الأفكار عندما يبحثون عن وجهات نظر مختلفة على جوجل». حتى الآن، إزالة المحتوى المثير للخلاف كان هو السلاح الرئيسي في العركة ضد التطرف على «الإنترنت». السيطرة التامة لمجموعات الإعلام الاجتماعية على حسابات المستخدمين تعني أنه حتى الحكومات تعتمد على تلك المجموعات لكي تستجيب للطلبات العاجلة. المنصات الاجتماعية الكبرى كلها تعتمد على الأعضاء للإبلاغ عن المحتوى غير اللائق، على الرغم من أن «فيسبوك» و»جوجل» تقولان إنهما تحظران بشكل استباقي الحسابات المرتبطة بإرهابيين معروفين. تقول مونيكا بيكيرت، رئيسة السياسة العامة في «فيسبوك»، «عندما نصبح على بينة من أن حسابا ما يدعم الإرهاب، ننظر إلى أصدقائه، والحسابات المرتبطة به، حتى نزيلها». وأعلنت «تويتر» في منتصف آب (أغسطس) أنها أوقفت 360 ألف حساب يحرض على الإرهاب منذ منتصف عام 2015، وأن عدد حالات الإيقاف اليومية ارتفع بنسبة 80 في المائة. وارتفع تعليق الحسابات أيضا في أعقاب الهجمات الإرهابية في بروكسل في آذار (مارس) ونيس في تموز (يوليو). لكن المختصين يعتقدون أن هذا يعتبر مجرد تعطيل مؤقت لجهود المتطرفين. ففي كثير من الحالات عندما يتم حظر حسابات للمتطرفين، فإن أصحابها إما أن يذهبوا إلى مواقع مشفرة، مثل «تيليجرام»، وإما إلى «واتساب»، أو يظهرون بحسابات جديدة على المواقع نفسها. وعلى «تويتر»، يتباهى القائمون على الدعاية في «داعش» علنا بالحساب الشخصي الـ 30 أو الـ 40. وبحسب البروفيسور نويمان «يمكنك تعطيل المتطرفين وإبعادهم، لكن لا يمكنك أن تُخرِج نفسك من هذا المأزق عن طريق فرض الرقابة وإغلاق الحسابات. إنها استراتيجية غير مكتملة وغير فعالة في نهاية المطاف». لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان البريطاني ذهبت أبعد من ذلك في تقريرها، متهمة مجموعات وسائل الإعلام الاجتماعية بـ «الفشل المتعمد» في منع مواقعها من أن تستخدم للدعاية الإرهابية. وقال أعضاء اللجنة «إن ما ينذر بالخطر هو أن شركات التكنولوجيا ليس لها سوى بضع مئات من موظفي مراقبة الشبكات مع مليارات من الحسابات».
دعاية «داعش» وفقا لزاهد أمان الله، رئيس الروايات المضادة في معهد الحوار الاستراتيجي، وهو مؤسسة فكرية مقرها لندن، وسائل الإعلام التابعة لـ «داعش» تنشر الفيديوهات، والملفات الصوتية، والأطروحات الدينية، والمجلات كل أسبوع. ويقول «أهم ما في الأمر أن الرسائل مصممة جيدا: لديهم مغتربون ألمان يتحدثون إلى الألمان ومقاتلون أجانب بريطانيون يجندون أقرانهم. استطاعوا الوصول إلى ما لم يكونوا قد وصلوا إليه قط من قبل. هجرة المقاتلين الأجانب من أوروبا وبريطانيا هي نتيجة مباشرة لتطور هذه الدعاية». نتيجة لشعور كبار رجال الأعمال في وادي السيليكون، وماديسون أفنيو، وهوليوود أنهم كانوا يخسرون الحرب الدعائية، اجتمعوا في وزارة العدل الأمريكية في شباط (فبراير) لمشاهدة أشرطة الفيديو التابعة لـ «داعش» والاستفادة منها. |